مباراة الثأر: كيف أعادت الأرجنتين كرامتها الوطنية ضد إنجلترا في مونديال 1986

 

استعادت الارجنتين كرامتها بعد الفوز على انجلترا في ربع نهاية كاس العالم 1986

تعتبر الرياضة واحدة من أكثر الميادين التي تحمل في تفاصيلها قصصاً خالدة، قصصاً تبقى دائما محفورة في الذاكرة وتتناقلها الأجيال، وربما تتقاطع أحياناً مع عالم السياسة، وتضحى ساحة لنزاعات تتجاوز  حدود  المنافسات الرياضية. من بين هذه القصص العظيمة التي لا تُنسى، تحضر في الأذهان مباراة ربع نهائي كأس العالم 1986 بين الأرجنتين وإنجلترا، مباراة ضمت في طياتها رمزية أكثر من مجرد لقاء كروي، لأنها أعادت فتح جروح حرب الفوكلاند التي دارت قبل أربع سنوات بين البلدين.

  حرب الفوكلاند: الخلفية التاريخية

حرب جزر الفوكلاند حيث انهزمت القوات الارجنتينية ضد الجيش البريطاني 

في نيسان/أبريل من سنة 1982، اندلعت حرب الفوكلاند بين كل من الأرجنتين وبريطانيا، بعد أن قررت الحكومة العسكرية في الأرجنتين استعادة السيطرة على جزر الفوكلاند، التي كانت تحت حكم البريطانيين منذ سنة 1833، ورغم الروح القتالية و المعنوية  العالية لدى الجنود الأرجنتينيين، إلا  أن الجيش البريطاني، المدعوم  بتحالف عسكري قوي كحلف الشمال الأطلسي، والمتفوق في العدة والعتاد تمكن من الانتصار.

دامت المعارك حوالي 10 أسابيع، ونتج عنها خسائر فادحة للأرجنتين، حيث قتل 649 جندياً أرجنتينياً، ما أدى في النهاية إلى تراجع واستسلام القوات الأرجنتينية في حزيران/يونيو 1982. كانت تداعيات الحرب بمثابة جرح غائر في الوجدان الأرجنتيني، حيث أصبحت ليست فقط خسارة عسكرية بل إهانة وطنية.

   إعادة الحرب في المستطيل الأخضر

كان للقدر رأي آخر، حيث لم يشئ الا أن تواجه الأرجنتين وبريطانيا بعد مرور  أربع سنوات من حرب الفوكلاند، هذه المرة في معركة جديدة، لكنها ليست على ساحة القتال العسكرية، بل على أرضية ملاعب كرة القدم في المكسيك، وتحديداً في بطولة كأس العالم لعام 1986.

في 22 حزيران/يونيو سنة 1986، التقى الجمعان المنتخب الأرجنتيني و المنتخب الإنجليزي في مباراة ربع نهائي. لم تكن هذه المباراة مجرد لقاء بين منتخبي لكرة القدم، بل كانت بمثابة مواجهة  لاستعادة الكرامة الوطنية للأرجنتين، بعد ما تكبدته من ادلال عسكري ونفسي بعد حرب الفوكلاند.

   ديغو مارادونا: القائد المغوار

كان دييغو مارادونا القائد، من بين أعظم لاعبي كرة القدم في التاريخ، في الصف الأمامي للمواجهة، حمل مارادونا على عاتقه مسؤولية تحقيق النصر لبلاده، اندالك لم يكن فقط لاعب كرة قدم، بل كان رمزاً للنضال والتحدي، ضد الرجل الإنجليزي المتغطرس.

مارادونا قبيل المباراة، ومن اجل تخفيف الضغط على باقي جنوده في الفريق حاول تهدئة الأجواء، مصرحا بأن المواجهة ليست سوى مباراة، كرة القدم، لا علاقة لها بالسياسة، لكنه على أرضية الملعب ظهر بوجه مخالف لذلك، ظهر كمحارب لا يهاب أي شيء، وسعى بكل الطرق لتحقيق النصر.

     الحرب خدعة:  "يد الله" والهدف الأسطوري

الهدف المثير للجدل الذي سجله ماردونا و اعتبر أنه بمساعدة "يد الله"

المباراة كانت مليئة بالتوتر والحماس، وكانت المدرجات تغص بجمهور مشتعل، حيث اختلطت الهتافات السياسية بالرياضية، وهو ما انعكس على أداء اللاعبين داخل الملعب. في حدود الدقيقة 51، حدث ما سيبقى محفوراً في ذاكرة كرة القدم إلى الأبد: سجل القائد مارادونا هدفاً بيده، لكنه ادعى لاحقا أنه كان بمساعدة "يد الله". رغم الاحتجاجات الصاخبة للاعبي المنتخب الإنجليزي، احتسب الحكم الهدف، ليكون واحداً من أكثر الأهداف إثارة للجدل في تاريخ كرة القدم.

لكن القائد مارادونا لم يكتفِ بهذا الهدف، فبعد لحظات قليلة، في الدقيقة 55، قام بعمل بطولي يعتبره الكثيرون أروع هدف في تاريخ المونديال، انطلق كالسهم من وسط الملعب، راوغ خمسة من لاعبي الإنجليز بمهارة مذهلة، وبتوازن رائع، ووصل إلى الحارس الإنجليزي بيتر شيلتون وقدف الكرة في الشباك. هذا الهدف لم يكن مجرد تفوق كروي، بل روح قتالية فذة.

  النتيجة: انتصار للأرجنتين بطعم الكرامة المستعادة

الهدف الثاني الخرافي الذي سجله ماردونا في شباك المنتخب الانجليزي


انتهت هذه المباراة بفوز الأرجنتين 2-1، وأضحى الانتصار في الأرجنتينيين أكثر من مجرد تأهل إلى نصف النهائي، لقد كان ثأراً رمزياً على الانجليز بعد نكبة حرب الفوكلاند، واستعادةً للكرامة الوطنية التي تعرضت للإهانة قبل أربع سنوات. تابعت الأرجنتين مشوارها في البطولة، وتمكنت من حيازة اللقب العالمي، ليصبح مارادونا رمزا قومياً في بلاده، بل أيقونة في عالم كرة القدم على مر التاريخ.

   استمرار الإرث

لازالت تلك المواجهة تحظى بمكانة خاصة في قلوب جميع مشجعي كرة القدم حول العالم، خاصة في الأرجنتين. لقد أصبحت رمزاً للتحدي و الانتقام للكرامة الوطنية، ليس فقط بسبب الأداء الرياضي المبهر الذي قدمه مارادونا ورفاقه، بل أيضاً بسبب الخلفية التاريخية والسياسية التي أحاطت بالمباراة. مارادونا، من خلال أهدافه، لم يكن يقاتل فقط من أجل انتصار في مباراة كرة قدم، بل كان يحارب من أجل جرح وطنه الذي لم يندمل بعد.

 حتى بعد مرور سنوات عديدة من تلك المواجهة، وعقود عن رحيل مارادونا، يبقى الحديث عنها وعن "يد الله" وهدفه الأسطوري قائماً، لقد أصبحت تلك اللحظات الكروية جزءاً لا يتجزأ من تاريخ كرة القدم، وجزءاً من الوجذان الوطني في الأرجنتين، التي لن تنسى أبداً تلك اللحظات التي تمكنت فيها، ولو رمزياً، أن تثأر من عنجهية الانجليز فوق المستطيل الأخضر.

تعليقات