![]() |
تنظيم العلاقات الجنسية وتطور الأسرة في العالم العربي |
في حقبة ما من التاريخ البشري، تجلت الضرورة في المجتمع لتنظيم العلاقات الجنسية بهدف ربط كل ابن بأب معين ليتمكن من وراثته بعد وفاته. أدى هذا إلى نشوء الأسرة كمؤسسة نواة داخل المجتمع. كان الزواج هو الشكل القانوني لإشهار العلاقة بين الرجل والمرأة في هذه المجتمعات، حيث أصبح مع مرور الزمن شرطاً لممارسة الجنس بشكل مشروع. ولتكريس هذا التنظيم الاجتماعي، أضفت بعض الشرائع الدينية صفة الخطيئة على العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، بهدف منع الإنسان من الانجراف وراء غرائزه، إلى اليوم، ما زالت العديد من المجتمعات تربط بين الجنس والمبادئ الأخلاقية، وتدافع بقوة عن هذا المفهوم، وتؤكد على ضرورة أن تكون العلاقة الجنسية ضمن إطار الزواج، رغم وجود تحديات واقعية كبيرة.
تأخر سن الزواج
وتحديات الرغبة الجنسية
![]() |
تأخر سن الزواج وتحديات الرغبة الجنسية |
تعقدت ظروف الحياة في العقود
الأخيرة، ومعها أصبح سن الزواج في العديد من المجتمعات العربية متأخراً، حيث
يتراوح بين منتصف العشرينيات ومنتصف الثلاثينيات، هذا الفراغ الزمني بين النضج
الجنسي والزواج، والذي قد يمتد لحوالي عقدين، طرح العديد من التساؤلات حول كيفية
التعامل مع الرغبة الجنسية خلال هذه الفترة.
في المجتمعات الغربية وبعض المجتمعات
الأخرى، تم التطبيع مع العلاقات الجنسية بين المراهقين، حيث يتم توجيههم لاكتشاف
الجنس تحت إشراف، يهدف إلى منع الحمل المبكر أو انتقال الأمراض الجنسية، تُشير
الدراسات إلى أن العديد من المراهقين، خصوصاً في الولايات المتحدة، لم يُظهروا
تلهفاً لممارسة الجنس في سن مبكرة، وفقاً لدراسة أجريت بين عامي 2011 و2013، فإن
44% من الفتيات و47% من الذكور بين سن 15 و19 مارسوا الجنس، بالإضافة إلى ذلك،
الحمل بين الفتيات ليس منتشراً كما تروج بعض وسائل الإعلام، ففي الولايات المتحدة
كانت النسبة في عام 2017 حوالي 13.2 لكل ألف فتاة بين سن 15 و19 عامًا.
ردة فعل
المجتمعات العربية
في المقابل، ترى المجتمعات العربية
أن الحلول التي وصل إليها الغرب غير أخلاقية، دون تقديم بدائل واقعية لحل الأزمة
الجنسية بين المراهقين والشباب. رغم المحاولات المتكررة لمنع العلاقات الجنسية
خارج الزواج، نجحت المجتمعات العربية فقط في جعلها سرية. على سبيل المثال، كشفت
دراسة في تونس عام 2007 أن 80% من الذكور و70% من الإناث مارسوا الجنس قبل الزواج.
وللحفاظ على التقاليد الاجتماعية، تلجأ بعض النساء إلى عمليات ترقيع غشاء البكارة،
وهي ممارسة شائعة في المجتمعات العربية لكنها نادرة في الغرب. وفقًا لبعض
التقارير، يقوم جراحون مشهورون مثل الفرنسي مارك آبيكاسيه بإجراء هذه العمليات
بانتظام لفتيات مسلمات من شمال إفريقيا.
السكن المشترك
كبديل للزواج
في الدول الغربية، تم السماح للرجال
والنساء بالعيش معًا دون زواج، بشرط أن تكون العلاقة علنية ومعروفة للأهل
والمجتمع، وهو ما يحقق شرط الإشهار. وفي حال حدوث الحمل، يكون الوالدان معروفين
وتُحفظ حقوق المرأة. بعد فترة من المساكنة، ينتهي حوالي 65% من هذه العلاقات
بالزواج في الولايات المتحدة.
في المقابل، في العالم العربي، قدم
رجال الدين أشكالًا بديلة من الزواج مثل العرفي والمسيار والمتعة، لكن هذه الأنواع
تفتقر غالباً إلى شرط الإشهار، وتتنازل فيها المرأة عن حقوقها في النفقة والميراث
والسكن. تُعتبر هذه الأشكال مجرد رخصة "دينية" لممارسة الجنس.
الدعارة
والممارسات الاجتماعية في الدول العربية
على الرغم من أن الدعارة ممنوعة
قانونيًا في معظم الدول العربية، إلا أن هذه المهنة موجودة بطرق سرية، حيث تغيب
الرقابة الصحية وتعمل النساء في هذا المجال عبر وسطاء. تقدّر وزارة الصحة المغربية
في عام 2015 عدد المشتغلات بالدعارة بأكثر من خمسين ألف امرأة.
هذا الوضع المغلق في المجتمعات
العربية أدى أيضًا إلى انتشار ظواهر مثل التحرش والاغتصاب. تشير دراسة للأمم
المتحدة عام 2013 إلى أن 99.3% من الفتيات المصريات تعرضن للتحرش، وغالبًا ما يتم
لوم الضحية. أما في السعودية، فتحتل نسبة التحرش في أماكن العمل مرتبة متقدمة.
قضايا الاغتصاب
والكبت الاجتماعي
أما بالنسبة للاغتصاب، فقد بلغ عدد
الحالات المصرح عنها في مصر 20 ألف حالة سنويًا وفقًا لإحصاءات عام 2008، مما يعطي
فكرة عن حجم المشكلة. وعلى الرغم من وجود ظاهرة الكبت الاجتماعي، فإن نسب تصفح
المواقع الإباحية في الدول الإسلامية مرتفعة. ففي عام 2016، أظهرت إحصاءات أن ست
دول إسلامية تصدرت قائمة أكثر الدول بحثًا عن المواد الإباحية.
النفاق
الاجتماعي في المجتمعات العربية
تعكس هذه الظواهر انفصامًا بين
الممارسات الفعلية في السر والخطاب العلني الذي يدعو للعفة والزهد، مما يعكس
واقعًا معقدًا يتطلب إعادة النظر في كيفية معالجة هذه القضايا بشكل أكثر واقعية وانفتاحًا. يُظهر هذا التناقض كيف أن الضغوط الاجتماعية والدينية قد تؤدي إلى
سلوكيات مزدوجة، حيث يخفون حياتهم الحقيقية خلف قناع من العفة.
في النهاية، تحتاج المجتمعات العربية
إلى إعادة التفكير في مفاهيمها حول العلاقات الجنسية وكيفية التعامل معها بشكل
أكثر واقعية. يجب أن تُعطى الأولوية للصحة النفسية والجسدية للأفراد، وأن يتم
تعزيز التعليم حول الجنس والوعي بحقوق النساء. إن معالجة هذه القضايا بطريقة شاملة
ومفتوحة يمكن أن تسهم في خلق بيئة أكثر صحة وأمانًا للجميع.